الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: يُسْتعملان معًا في الأمرِ وفي الجارحة، حكاه الزجاج.وحكى مكي، عن الفراء أنه قال: لا أعرِفُ في الأمر ولا في اليد ولا في كل شيءٍ إلا كسرَ الميمِ.قلت: وتواترُ قراءةِ نافعٍ والشاميين يَرُدُّ عليه. وأنكر الكسائيُّ كسرَ الميم في الجارحة، وقال: لا أعرفُ فيه إلا الفتحَ وهو عكسُ قولِ تلميذِه، ولكن خالفه أبو حاتم، وقال: هو بفتح الميم: الموضعُ كالمسجد. وقال أبو زيد: هو بفتح الميم مصدرٌ جاء على مَفْعَل وقال بعضهم: هما لغتان فيما يُرْتَفَقُ به، فأمَّا الجارِحَةُ فبكسرِ الميمِ فقط. وحُكي عن الفرَّاء أنَّه قال: أهلُ الحجاز يقولون: {مَرْفقا} بفتح الميم وكسرِ الفاءِ فيما ارتفقْتَ به، ويكسِرون مِرْفَق الإِنسان، والعربُ بعدُ يَكْسِرون الميمَ منهما جميعًا. وأجاز معاذ فتحَ الميم والفاءِ، وهو مصدرٌ كالمَضْرَبِ والمَقْتَلِ.و{مِّنْ أَمْرِكُمْ} متعلَّقُ بالفعلِ قبلَه، و{مِنْ} لابتداءِ الغايةِ أو للتعيض. وقيل: هي بمعنى بَدَلَ، قاله ابن الأنباريِّ وأنشد: أي: بَدَلًا. ويجوز أن يكونَ حالًا من {مِرْفَقًا} فيتعلَّقَ بمحذوفٍ.{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ}.قوله تعالى: {تَّزَاوَرُ}: قرأ ابن عامر: {تَزْوَرُّ} بزنةِ تَحْمَرُّ، والكوفيون {تَزَاوَرُ} بتخفيفِ الزايِ، والباقون بتثقِيلها. ف {تَزْوَرُّ} بمعنى تميل من الزَّوَر وهو المَيَلُ، وزاره بمعنى مال إليه، وقول الزُّور: مَيّلٌ عن الحق، ومنه الأَزْوَرُ وهو المائلُ بعينه وبغيرها. قال عمر بن أبي ربيعة: وقيل: تَزْوَرُّ بمعنى تَنْقَبِضُ مِنْ ازْوَرَّ، أي: انقبضَ. ومنه قولُ عنترة: وقيل: مال. ومثلُه قولُ بِشْر بن أبي خازم: أي: مَيْلٌ.وأما {تزاوَرُ} و{تَّوازَرُ} فأصلهما تَتَزاوَرُ بتاءين، فالكوفيون حذفوا إحدى التائين، وغيرُهم أَدْغم، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في {تَظَاهَرون} و{تَساءلون} ونحوِهما. ومعنى ذلك الميل أيضًا.وقرأ أبو رجاء والجحدري وابن أبي عبلة وأيُّوب السُّختياني {تَزْوَارُّ} بزنة تَحْمارُّ. وعبد الله وأبو المتوكل {تَزْوَئِرُّ} بهمزةٍ مكسورةٍ قبل راءٍ مشددة، وأصلُها {تَزْوارُّ} كقراءة أبي رجاء ومَنْ معه، وإنما كَرِهَ الجمعَ بين الساكنين، فأبدل الألفَ همزةً على حدِّ إبدالها في {جَأَنّ} و{الضَّأَلِّين}. وقد تقدَّم تحقيقُه أولَ هذا التصنيف أخرَ الفاتحة.و{إِذَا طَلَعَت} معمولٌ لـ: {تَرَى} أو لـ: {تَزَاوَرُ}، وكذا {إِذَا غَرَبَت} معمولٌ للأولِ أو للثاني وهو {تَقْرضهم}. والظاهرُ تمحُّضُه للظرفيةِ، ويجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً.ومعنى {تَقْرِضُهم} تَقْطَعهُم لا تُقَرِّبهم، لأنَّ القَرْضَ القَطْعُ، من القَطِيعةِ والصَّرْم. قال ذو الرمة: والقَرْضُ: القَطْعُ. وتقدَّم تحقيقُه في البقرة. وقال الفارسي: معنى {تَقْرِضُهم}: تُعْطيهم مِنْ ضوئِها شيئًا ثم تزولُ سريعًا كالقَرْضِ يُسْتَرَدُّ. وقد ضُعِّف قولُه بأنه كان ينبغي أن يُقرأ: {تُقْرِضُهم} بضم التاء لأنه مِنْ أَقْرض.وقرئ: {يَقْرِضهم} بالياء مِنْ تحتُ، أي: الكهف، وفيه مخالَفَةٌ بين الفعلين وفاعلِهما، فالأَوْلى أن يعودَ على الشمس ويكون كقوله: وهو قولُ ابنِ كَيْسان.و{ذات اليمين} و{ذات الشِّمال} ظرفا مكانٍ بمعنى جهةِ اليمين وجهةِ الشِّمال.قوله: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ} جملةٌ حاليةٌ، أي: نفعلُ هذا مع اتساع مكانِهم، وهو أعجبُ لحالِهم، إذ كان ينبغي أَنْ تصيبَهم الشمسُ لاتِّساعِه. والفَجْوَةُ: المُتَّسَعُ، من الفَجا، وهو تباعدُ ما بين الفَخْذَين. يقال: رجلٌ أَفْجَى وامرأة فَجْواء، وجمع الفَجْوَة فِجاءٌ كقَصْعَة وقِصاع.قوله: {ذلك} مبتدأٌ مُشار به إلى جميعِ ما تقدم مِنْ حديثهم. و{من آياتِ الله} الخبرُ. ويجوز أن يكونَ {ذلك} خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: الأمرُ ذلك. و{مِنْ آيَاتِ الله} حالٌ. اهـ.
ومثله قوله نجد ونجدان وأنجاد، وهم رقود أي نائمون وهو مصدر سمي المفعول به كما يقال قوم ركوع وقعود وسجود يوصف الجمع بالمصدر، ومن قال إنه جمع راقد فقد أبعد لأنه لم يجمع فاعل على فعول، قال الواحدي: وإنما يحسبون {أَيْقَاظًا} لأن أعينهم مفتحة وهم نيام وقال الزجاج لكثرة تقلبهم يظن أنهم أيقاظ، والدليل عليه قوله تعالى: {وَنُقَلّبُهُمْ ذَاتَ اليمين وَذَاتَ الشمال} واختلفوا في مقدار مدة التقليب فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن لهم في كل عام تقليبتين وعن مجاهد يمكثون على أيمانهم تسع سنين ثم يقلبون على شمائلهم فيمكثون رقودًا تسع سنين وقيل لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء.وأقول هذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها، ولفظ القرآن لا يدل عليه، وما جاء فيه خبر صحيح فكيف يعرف؟ وقال ابن عباس رضي الله عنهما فائدة تقليبهم لئلا تأكل الأرض لحومهم ولا تبليهم.وأقول هذا عجيب لأنه تعالى لما قدر على أن يمسك حياتهم مدة ثلثمائة سنة وأكثر فلم لا يقدر على حفظ أجسادهم أيضًا من غير تقليب؟ وقوله: {ذَاتُ} منصوبة على الظرف لأن المعنى {نقلبهم} في ناحية {اليمين} أو على ناحية {اليمين} كما قلنا في قوله: {تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ اليمين} وقوله: {وَكَلْبُهُمْ باسط ذِرَاعَيْهِ} قال ابن عباس وأكثر المفسرين قالوا إنهم هربوا ليلًا من ملكهم، فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم ومعه كلبه، وقال كعب مروا بكلب فنبح عليهم فطردوه فعاد ففعلوا مرارًا، فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباء الله فناموا حتى أحرسكم، وقال عبيد بن عمير كان ذلك كلب صيدهم ومعنى: {باسط ذِرَاعَيْهِ} أي يلقيهما على الأرض مبسوطتين غير مقبوضتين، ومنه الحديث في الصلاة: «أنه نهى عن افتراش السبع وقال: لا تفترش ذراعيك افتراش السبع» قوله: {بالوصيد} يعني فناء الكهف قال الزجاج الوصيد فناء البيت وفناء الدار وجمعه وصائد ووصد، وقال يونس والأخفش والفراء الوصيد والأصيد لغتان مثل الوكاف والإكاف، وقال السدي: {الوصيد} الباب والكهف لا يكون له باب ولا عتبة وإنما أراد أن الكلب منه بموضع العتبة من البيت، ثم قال: {لَوِ اطلعت عَلَيْهِمْ} أي أشرفت عليهم يقال اطلعت عليهم أي أشرفت عليهم، ويقال أطلعت فلانًا على الشيء فاطلع وقوله: {لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} قال الزجاج قوله: {فِرَارًا} منصوب على المصدر لأن معنى وليت منهم فررت: {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} أي فزعًا وخوفًا قيل في التفسير طالت شعورهم وأظفارهم وبقيت أعينهم مفتوحة وهم نيام، فلهذا السبب لو رآهم الرائي لهرب منهم مرعوبًا، وقيل: إنه تعالى جعلهم بحيث كل من رآهم فزع فزعًا شديدًا، فأما تفصيل سبب الرعب فالله أعلم به.وهذا هو الأصح وقوله: {وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} قرأ نافع وابن كثير لملئت بتشديد اللام والهمزة والباقون بتخفيف اللام، وروى عن ابن كثير بالتخفيف والمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة، قال الأخفش الخفيفة أجود في كلام العرب، يقال: ملأتني رعبًا، ولا يكادون يعرفون ملأتني، ويدل على هذا أكثر استعمالهم كقوله: وقول الآخر: وقال الآخر: وقال الآخر: وقد جاء التثقيل أيضًا، وأنشدوا للمخبل السعدي: وقرأ ابن عامر والكسائي رعبًا بضم العين في جميع القرآن والباقون بالإسكان. اهـ.
|